زمن الانتخابات!

الاراء 03:04 PM - 2014-04-22
سيدة عراقية تدلي بصوتها في الانتخابات

سيدة عراقية تدلي بصوتها في الانتخابات

سبع بلدان عربية تستعد خلال هذا الشهر، والأشهر القليلة القادمة، حتى نهاية العام 2014 لإجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية أو كليهما، في إطار معارك حامية معلنة ومستترة، زعماً في “تمثيل” الناس من جهة، ومن جهة أخرى تجسيداً للصراع على السلطة، تلك التي كان كل فريق يريد الفوز فيها عنفياً لفترة أكثر من ستة عقود من الزمان، بل منذ تأسيس الدولة العربية المعاصرة ولحد الآن، وتعبّر الانتخابات اليوم عن جوهر الصراع وشكله في الآن، في ماراثون محموم على السلطة من جهة، ومن جهة أخرى في البحث عن “شرعيات” جديدة بعد انهيار أو تآكل الشرعيات القديمة. 

في 17 نيسان (ابريل) الشهر الجاري جرت انتخابات الجزائر حيث يترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمرّة الرابعة، وفي 30 من الشهر ذاته تجري الانتخابات العراقية، وهي المرّة الرابعة منذ الاحتلال في العام 2003، فقد أجريت انتخابات للفترة الانتقالية الأولى (مطلع العام 2005)، أما الانتخابات الثانية فقد كانت أواخر العام 2005 والانتخابات الثالثة في آذار (مارس) العام 2010، وستجري الانتخابات الرابعة في 30 نيسان (ابريل) العام الجاري 2014.

وجرت انتخابات مصرية قبل انتفاضة التغيير في 25 يناير 2011 مثلما دأبت عليها السلطات المصرية منذ السبعينيات، ثم أعقبتها انتخابات برلمانية ورئاسية، واستفتاء على الدستور في العام 2012 (حاز على 64.3 وشارك في التصويت 38%)، ثم استفتاء جديد على دستور العام 2014 حاز على أغلبية أكبر من الاستفتاء على دستور الاخوان، بعد عزل الرئيس مرسي، لاسيّما بعد سعي الأخوان لتضييق الهامش الاجتماعي والسياسي للسلطة، حيث تدخلّ الجيش في 3 تموز (يوليو) العام 2013 بعد حركة احتجاج مليونية شهدها الشارع المصري على نحو لم يسبق له مثيل، وتجري الاستعدادات خلال الأسابيع والأشهر القادمة على انتخابات رئاسية تسبق الانتخابات البرلمانية، ويعوّل المصريون على استقرار الأوضاع وإنهاء حالة الفوضى التي عمّت البلاد منذ الإطاحة بحكم حسني مبارك، وذلك بعد انتخابات الرئاسة والبرلمان واستعادة هيبة الدولة وتطويق الإرهاب.

وبعد التوافق التونسي على الدستور الذي نال 200 صوت من مجموع أعضاء المجلس التأسيسي البالغ عددهم 217 نائباً، يتم الاستعداد لانتخابات في نهاية العام الجاري 2014. وتكمن أهمية الانتخابات التونسية الجديدة في أنها تأتي بعد فترة انسداد للآفاق شهدتها التجربة التونسية، خلال حكم حزب النهضة، الأمر الذي دفع جميع الأطراف إلى تقديم تنازلات متبادلة، وهو ما أعطى للتجربة التونسية بريقاً خاصاً قياساً بالتجارب الأخرى.

كما تتم الاستعدادات للانتخابات في ليبيا في العام الحالي على أمل إنهاء حالة الفوضى والاحتراب وغياب هيبة الدولة، خصوصاً ما تركه حلف الناتو من تداعيات خطيرة، وكذلك تجري انتخابات يمنية بعد انتهاء فترة العامين اللذين تم خلالهما وضع حد للحرب الأهلية التي كان يمكن أن تسيل في دماء غزيرة، وذلك بعد توافق وطني حصل من خلال تجربة الحوار الشامل والذي سيكون مقدمة مهمة لإعداد الدستور وإجراء الانتخابات.

أما في سوريا فالأزمة لا تزال مستمرة وهي أزمة أقرب إلى مصارعة على الطريقة الرومانية، حيث يتم وصول أحد المتصارعين إلى الموت، في حين أن الثاني يمكن أن يصل إلى حافة الموت بالأعياء والإنهاك وعدم القدرة على المواصلة، وهكذا فإن نار القمع والإرهاب والتخريب تضرب في كل مكان، وأعلن الرئيس بشار الأسد رغبته في الترشح لدورة جديدة وسط شعور دولي وإقليمي، ان ذلك سيؤدي إلى تعقيد الأزمة ويدفع الأمور باتجاه توسيع دائرة الصدام، خصوصاً وأن الصراع لم يعد سوريّاً، بل أصبح دولياً بامتياز بدخول روسيا على الخط، إضافة إلى إيران من جهة وقوى شعبية مثل حزب الله، ومن جهة أخرى قوى عربية وإقليمية ودولية، تضع استمرار الأسد كخط أحمر، فضلاً عن استمرار دعمها للقوى المسلحة، الأمر الذي سيجعل الانتخابات مصحوبة بالشك في تحقيق ما هو مرجو منها، لاسيّما الانتقال السلمي للسلطة وإنهاء الحرب الأهلية، وهو ما وصلت إليه تجربتا جنيف 1 وجنيف 2 على الرغم مما بُذل لأجل إنجاحهما.

ولبنان بعد تشكيل الحكومة ونزع فتيل الأزمة مؤقتاً تستعد لإجراء انتخابات، وكادت أن تقع في مطب الفراغ السياسي، لاسيّما وأن رئيس الجمهورية لم يكن يرغب في التمديد أو الاستمرار، وبانتهاء الفترة المحدّدة (أيار/مايو) للرئاسة، مع وجود برلمان مدّد لنفسه، فالأمر سيعني استمرار الأزمة وإن تأجّل الانفجار.

وإذا كانت قد جرت خلال ربع القرن الماضي انتخابات في عدد من البلدان العربية، مجاراة للموجة الدولية التي انطلقت منذ أواخر الثمانينيات، وتساوقاً مع التطور الدولي، الاّ أن غالبيتها الساحقة غلب عليها الكثير من الجوانب الشكلية وتعرّضت إلى التدخلات الحكومية، بل وإلى التزوير والتلاعب بنتائجها أحياناً، لكن الأمر بفعل الاستحقاق العالمي والحاجة الداخلية والرغبة في اختيار من يمثّل الشعب، أصبح فرض عين وليس فرض كفاية كما يقال، خصوصاً باتّساع نطاق الثقافة الحقوقية والديمقراطية، ووضع الأمم المتحدة معايير مهمة لتصنيف الدول وفقاً لقواعد التحوّل الديمقراطي وبشكل خاص إجراء انتخابات وتداولية السلطة .

ظلّت الانتخابات أكثر التحدّيات التي واجهت البلدان العربية حساسية، سواءً للنظم القائمة أو لعملية الانتقال الديمقراطي، ومن الناحية التحليلية فإن انعكاساتها على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ستكون مؤثرة، وذلك لسببين رئيسيين، السبب الأول له علاقة بحقوق الإنسان والحرّيات العامة، وخصوصاً الحقوق والحرّيات السياسية المعرّفة بالشرعة الدولية، أما السبب الثاني فله علاقة مباشرة بالإطار القانوني والإداري لتنظيم الانتخابات ومدى انسجامها أو مقاربتها للمعايير الدولية بما لها، من قواعد وآليات وممارسات.

وقد أصبحت الانتخابات، ومنذ هبوب رياح الموجة الثانية العالمية للتغيير في أوربا الشرقية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، في صلب توجهات ومطالب الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وبرامجها، واتخذت بُعداً أكثر ثقلاً ووزناً، لاسيّما بعد عدد من التحوّلات التي جرت على المستوى العالمي، سواء في البلدان الاشتراكية السابقة ذات الأنظمة الشمولية أو بعض بلدان أمريكا اللاتينية ذات الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، إضافة إلى بعض دول آسيا وأفريقيا، علماً بأن الموجة الأولى للانتخابات والتحوّل الديمقراطي شملت ما تبقى من أنظمة غير ديمقراطية في أوربا، وخصوصاً البرتغال بعد إنهاء دكتاتورية سالازار ودكتاتورية فرانكو بعد وفاته والحكم العسكري في اليونان في أواسط السبعينيات.

ومنذ التسعينيات ارتفع شعار “الثورة في صندوق الاقتراع” وتعاضدت هناك ثلاث عوامل: الأول نجاح التغيير في أوربا الشرقية، الثاني تململات وحركات احتجاج ونجاحات في بعض دول أمريكا اللاتينية والثالث نجاح نيلسون مانديلا في انتخابات ديمقراطية وانهاء نظام الفصل العنصري الذي دام أكثر من ثلاثة قرون من الزمان في العام 1994 وبداية مسلسل جديد في هذه البلدان من تجارب العدالة الانتقالية، الأمر الذي أظهر العالم العربي وكأنه خارج سياق التطور التاريخي، في حين أصبح التغيير ضرورة لا غنى عنها، وليس اختياراً فحسب، ومعه أصبح الحديث عن الانتخابات والنظم الانتخابية شغلاً شاغلاً لاسيّما لمرحلة الانتقال.

وعشية انطلاقة ثورة الياسمين في تونس 17 كانون الأول (ديمسبر) العام 2010 بحرق بو عزيزي، نفسه ووصولاً إلى نجاحها الباهر سلمياً في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، كانت الكثير من عوامل التغيير تختمر في مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان العربية، في ظل عوامل داخلية بالدرجة الأساسية، فقد وصلت “ الشرعية الثورية”، التي حكمت في بعض البلدان إلى طريق مسدود، فضلاً عن ذلك فإن بقاء الحال من المحال إذ لم يكن بالإمكان معاكسة التطور التاريخي بالكامل إلى ما لا نهاية.

ولكن السؤال الكبير الذي يواجه التجارب الانتخابية العربية الجديدة يكمن في: إلى أي حدّ يمكن للانتخابات إنهاء حالة الفوضى والتشظي، وتحقيق الوحدة الوطنية والتخلّص من الإرهاب والعنف، واستعادة مكانة الدولة وهيبتها على أساس المواطنة المتساوية وتحقيق أهداف التنمية والعدالة، وخصوصاً في ميادين التعليم والصحة والعمل والضمان الاجتماعي، ناهيكم عن القدرة على المشاركة في إطار الحرية؟.

 

عبد الحسين شعبان 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket