نجاح اعتماد ثقافة التسامح في الإقليم

الاراء 04:09 PM - 2014-04-19
 نجاح اعتماد ثقافة التسامح في الإقليم

نجاح اعتماد ثقافة التسامح في الإقليم

تسجل التجارب الإنسانية تنوعا في تطبيق ومفهوم ثقافة التسامح ، وهذا التنوع يتناسب مع حجم الثقافة العامة والإدراك وقبول الآخر والتطلع نحو أسس البناء للمستقبل ، كما يتناسب مع النظرة الإنسانية والحضارية التي يعتمدها المجتمع .
وإذا كانت التطبيقات الحديثة للتسامح تشير الى تطبيقه قبل أكثر من 500 عام ضمن ظروف سادت في أوربا نتيجة الصراعات الدينية ، فإن الديانات التي حلت على البشر جميعها نادت بتطبيق ثقافة التسامح كجزء اساسي ومهم من مبادئ تلك الشرائع والديانات، ولأنه يشكل قيمة ثقافية وفكرية فقد نصت عليها  تلك الأديان والحركات الإصلاحية في نصوصها المقدسة أو تعاليمها .
ولعل الأمم المتحدة وجدت في ثقافة التسامح حلا جذريا ووسيلة للتعايش والانسجام بين المجتمعات وخصوصا الخارجة من الصراعات والحروب ، او الواقعة تحت الظلم والمسلوبة الإرادة والحقوق ، مما دعاها الى تضمين لائحة حقوق الإنسان والمبادئ الأساسية للحقوق تلك المقررات والأسس ، في قبول التنوع الديني والقومي والفكري الذي تعيشه المجتمعات واحترام هذا التنوع ، واعتماد ثقافة قبول الاخر والتسامح كمفاتيح لبداية حياة جديدة يتم اعتماد التسامح فيها كشرط اساسي للبناء الصحيح .
وثقافة التسامح ليس مجرد كلمات او عبارات يتم اعتمادها ضمن الشعارات والخطابات ، انما تعني ثقافة يتم اعتمادها فعليا وتطبيقها عمليا ، والأيمان بها كمفهوم، وتلك القضايا لايمكن تطبيقها مالم يؤمن المجتمع بها بالترفع عن تطبيق الانتقام ورد الاساءة والملاحقة، عملية الأيمان بثقافة التسامح تدلل على ارتفاع بالنفس عن تلك الممارسات ، واعتماد السلوك الحضاري والراقي في انهاء الخلافات والصراعات بالرغم من القدرة على خلاف ذلك، ولذلك شكلت ثقافة التسامح طريقا من طرق احلال السلام والوئام في المجتمع ، ووسيلة من وسائل التطبيق الفعلي للمبادئ الديمقراطية، وسلوكا حضاريا رفيعا وإنسانيا نبيلا  لتأسيس وبناء مجتمع يستند على ركائز اساسية متينة .
التطبيق العملي والفعلي لثقافة التسامح في اقليم كردستان العراق، دللت على شجاعة التأسيس، والحقيقة المعتمدة في التطبيق الفعلي، وشكلت ايضا دليلا على النبل والخلق العالي في قبول الاخر وفتح الصفحات الجديدة للبناء من اجل اختزال الزمن وحرق مراحل الأعداد لبناء ثقافة الانسجام  من أجل البناء والتخفيف عن معاناة الناس، وإسقاط كل السلبيات التي ترتبط ارتباطا قويا بالتهميش او الالغاء او الملاحقة او الانتقام
حقق الاقليم خلال فترة زمنية قياسية ونتيجة اعتماد ثقافة التسامح وقبول الاخر استقرارا سياسيا وأمنيا ملموسا ، كما حقق نسبة عالية من مراحل البناء والتطوير في اجزاء مهمة من ذلك ، وصار الإقليم ملاذا ليس فقط لمن اخطأ وساهم في ارتكاب الظلم والعنف والتعاون مع السلطات الغاشمة ضد شعب الإقليم، بل صار ملاذا لكل من شعر باضطهاد ديني او قومي او طائفي او فكري في عموم العراق الاتحادي، وهذه مسألة مهمة ينبغي التوقف عندها ، فبناء سياسة الإقليم باعتماد المبادئ الديمقراطية منهجا وسلوكا يتطلب ذلك أن يتم الأيمان بها كعقيدة، ومنها يتفرع الإيمان بثقافة التسامح والتعددية وقبول الآخر ، ووفق ذلك الأساس تم بناء المؤسسات .
دون تلك الثقافة التي اعتمدتها القيادة الكردستانية ماكان للمندائي ولا البهائي ولاالأيزيدي ولا المسيحي أن يشعر بالأمان في مناطق الإقليم ، ودون  ذلك ان يتجنب العمليات الإرهابية والغادرة التي طالت اتباع تلك الديانات ، كما شعرت العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية بتلك الحماية والأمان جراء سياسة قبول الاخر في الإقليم  لهم ولعوائلهم ، اذ لامجال للتطرف الديني والمذهبي في الاقليم  ، كما لامجال للتطرف القومي ايضا .
اعتماد ثقافة التسامح جعلت من هذه الثقافة تسمو على العديد من السلوكيات المعتمدة في كردستان العراق ، ولهذا يمارس اهل الديانات دياناتهم وطقوسهم بحرية كاملة ، ولهذا ايضا تتمتع منظمات المجتمع المدني بمكانة تليق بها ، وسيبقى اقليم كردستان العراق ولفترة طويلة ملاذا لكل من يقع تحت خشية الإرهاب مهما كان شكله ، والملاذ الآمن الذي يحمي كل مواطنيه ومن يلوذ به ،   وبنفس الوقت ينصرف بهمة عالية الى بناء حضاري ينسجم مع تطلعات الشعب .
تجربة تعميم ثقافة التسامح في كردستان العراق جديرة بالتعميم في عموم العراق لما لها من انعكاسات ايجابية على واقع الحياة ، ولما اظهرت من نقاط ايجابية وعقلانية في توفير فرص البناء وضمان الحرية والنظرة الى المستقبل.  وبعد مرور عشرة سنوات على ازاحة السلطة الدكتاتورية عن صدر العراق ، وبعد اخفاق مرير وملموس في تطبيق ثقافة التسامح والسلام الأهلي وتسييد المحبة والتآخي بين العراقيين على اختلاف قومياتهم وأديانهم وعقائدهم ، نرى أن الاقتداء بتلك التجربة لايشكل نقيصة او مثلبة في العمل السياسي، فالتجارب حري بها أن يتعلم منها الاخر ، وأن نستفد منها في زمن نحن احوج مانكون فيه اليها ،  وهذه التجربة لم تكن على سبيل الدعاية الإعلامية ، انما دلت التجربة الرائدة ليس فقط على السلوك الحضاري عند الكرد، وإنما عمليا الاستفادة من الزمن والإنسان في عملية البناء.  أن التحرر من ثقافة الانتقام ونبذ الآخر تتطلب خطوات وقرارات عملية تمهد لتبادل الثقة والاطمئنان لدى الاخر ، ولنتذكر جيدا بأن مؤتمرات المعارضة العراقية ضد النظام الدكتاتوري كانت جميعها تؤكد على قضية المصالحة الوطنية ، والتي لم تصل ولم تنجح في العراق في حين نجحت في كردستان العراق ، اذ لم يتم القضاء على الظواهر التي تؤثر سلبا على انتصار مفهوم التسامح وقيم المحبة .
أن توفير الظروف الملائمة لتطبيق التسامح تعتمد على القيم المشتركة وعلى الإيمان بتلك القيم ، ومن خلال التطبيق الفعلي والعملي لمبادئ حقوق الإنسان ، والاستفادة من تجارب الاخرين بما فيها التجربة الناجحة لإقليم كردستان العراق.

زهير كاظم عبود

PUKmedia

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket