كان للعراق والمنطقة مام جلال.. فقدناه

الآراء 11:21 AM - 2023-10-02
بارزان الشيخ عثمان

بارزان الشيخ عثمان

أود أن اشد على أيادي رفاقي وزملائي في مؤسسة الرئيس جلال طالباني، بإقامة مراسيم احياء ذكرى رحيل الرئيس مام جلال العظيم في بغداد والنجف الاشرف والسليمانية، تجسيداً للهوية العراقية و الكردستانية لهذا القائد الكبير.لأن سيادته كان قائدا معارضا عراقيا في عهد مقارعة الانظمة الدكتاتورية، وبعد سقوط الدكتاتورية فضلاً عن دوره العظيم في بناء العراق الجديد ووضع الحجر الاساسي للتعايش و الاخوة بين ابناء شعبٍ واحد فإنه أصبح أول رئيس منتخب للعراق.
نعم كان مام جلال يعتز بكردستانيتهِ بروحية عراقية. لأن سيادته منذ دخوله في المعترك السياسي والنضال كان ذخيرة سلاح أفكاره و مبادئه هي الديمقراطية للعراق أولا ً و تحقيق الطموحات العادلة لشعب كردستان.في ظل هذه الدمقراطية. ولا تمر علينا في اي من مؤلفاته، خطاباته، رسائله، كتاباته الصحفية وتصريحاته دون ذكره لأهمية وضرورة اقامة النظام الديمقراطي في العراق لتحقيق اهداف وأماني الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وكلدانه وآشورييه وسائر مكوناته الدينية والمذهبية المختلفة. لذلك كان يبشر دوماً الشعب العراقي في برقياته في الأعياد والمناسبات الوطنية بالاحتفال في بغداد العاصمة في المستقبل القريب.
وفي المؤتمر العام الثاني للإتحاد الوطني الكردستاني (٢٠٠١) جسد الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني مام جلال في التقرير السياسي الهوية العراقية للكرد في اقليم كردستان بإطلاق تعبيره المشهور “نحن العراقيين الكرد لا نتردد ان نكون البديل الديمقراطي في العراق “. لذلك علينا جميعاً ان لا نجحف بحق الهوية العراقية للرئيس مام جلال مع اعتزازه بهويته راسخة الجذور الكردستانية عندما نذكره في اي مناسبة. لكن مع الاسف الشديد حُرِمَ الرئيس مام جلال من هذا الحق المشروع خلال مراسيم النعش.
كانت هناك بعض الاوساط السياسية و الإعلامية ينتقدون المراسيم والإعلام الرئاسي، لماذا لا نضع علم كردستان خلف و بجانب مام جلال و كنا نرد عليهم بان فخامته رئيس جمهورية العراق و ليس اقليم كردستان،في احد الايام كنت أُناقش احدهم حول هذا الموضوع و سمعنا فخامته قال “عن ماذا تناقشون؟”، وعندما عَلِمَ سيادته، قال “أنا كنت أول من رفع علم كردستان في الاربعينيات وسنوات البعد في المناسبات وأُقَدِسه، لكن يجب ان يفهم هؤلاء بأني الآن رئيس جمهورية العراق، وعندما اجتمع مع الكوادر الحزبية فيجب ان تضعوا علم العراق و كردستان و شعار الاتحاد الوطني معاً.
الرئيس مام جلال كان حرصه وهمه الوحيد أن يقدم خدمةً لشعبه، من اجل أن ينعم بحياة تليق بشعبٍ ناضل وقدم تضحيات كبيرة، من أجل توفير كافة الخدمات لهذا الشعب من خلال استغلال ثروات العراق الطائلة في التقدم والازدهار وينعم الشعب في ظلها بحياة نعيمة ورغيدة مثل سائر الشعوب في البلدان المتقدمة.
الرئيس مام جلال أعاد مكانة وموقع العراق الريادية في المنطقة والعالم والدول العربية والاسلامية، لذلك كانت كل دول المنطقة وحتى العالمية تتسابق من اجل إقامة علاقات الصداقة الاستراتيجية مع عراق مام جلال. لأن الرئيس الراحل كان شخصية سياسية معروفة عراقياً وكردستانياً وعالمياً واقليمياً منذ الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، حيث التقى في الخمسينيات شخصيات سياسية معروفة وقادة الاحزاب الأوروبية والعربية في اوروبا خلال ترؤسه وفد شباب كردستان في مؤتمر وارشو وكانوا معجبين بهذه الشخصية السياسية وافكاره التقدمية والديمقراطية.
كان الرئيس مام جلال ذا خبرة واسعة في إيجاد النوافذ والابواب الدبلوماسية والسياسية ليدخل اليها لا من أجل إيصال الصوت الحقيقي لشعب العراقي بسائر مكوناته من بضمنه شعب كردستان فحسب بل لتفكيك كافة القضايا الشائكة والصراعات في المنطقة منها القضية الكردية في الدول الأخرى كايران وتركيا وسوريا. ومن خلال هذه الخبرة والامكانيات استطاع ان يصبح اول زعيمٍ كردي يستقبله رئيس تركي في قصر (جانكايا الرئاسي) في العاصمة التركية انقرة في حزيران عام ١٩٩١ و التقى بالرئيس الراحل تورغوت اوزال و قادة الأحزاب المعارضة حيث كانوا يتسابقون الى اللقاء بسيادته.و كان هذا اللقاء التأريخي قد اصبح بداية للحوار و التفاوض التركي -الكردي و طرح القضية الكردية في تركيا على مائدة المفاوضات. لولا الأيدي الخفية المخابراتية وعدم خرق نصائح مام جلال، لكانت الآن القضية الكردية في تركيا في وضع متقدم.
رغم انشغاله بالقضية العراقية، لكن الرئيس مام جلال لم ينس ولو للحظة واحدة الشأن الكردي في العراق والأجزاء الأخرى أيضاً واستغل حنكته السياسية والدبلوماسية، لإقناع الجانب الآخر في ان تلبية الطموحات المشروعة للكرد تساهم في تحقيق الامن والاستقرار والحفاظ على السيادة الوطنية في تلك الدول من ضمنهم العراق حيث اثبت تلك الرؤى الصحيحة.
مام جلال من خلال تصويت 75% من الكرد للدستور العراقي ومشاركتهم الفعالة في النظام الجديد، وحرصهم على وحدة العراق، على رأسهم سيادته.
كان الرئيس مام جلال رمزاً عظيماً للتعايش بين المكونات العراقية ونبذ البغض الطائفي والمذهبي، ووضع أسس قوية للتعايش السلمي بين ابناء الشعب. واستثمر هذا التعايش السلمي من أجل طي صفحات الماضي السوداء التي زرعها النظام الدكتاتوري الطائفي، حيث كانت مليئة بالتناحر والصراعات و سلب حقوق الآخرين.
مدينة كركوك وهويتها كانت مشكلة مستعصية في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية، لكن الرئيس مام جلال طرح أفكاراً عملية وناجحة من اجل ازالة المعوقات امام تنفيذ المادة ١٤٠ الدستورية. وكان  يؤكد دوماً ان ازالة عمليات التعريب و التهجير القسري وريثة النظام البعثي العفلقي في كركوك و المناطق الاخرى المتنازع عليها،كالعملية الجراحية للدماغ حيث لا تقبل اي خطأ.
كان الرئيس الراحل شخصية جامعة و بقلبه و صدره الواسعين كان يحتضن جميع الاطراف لذلك كانت جميع الاطراف و المكونات تنظر اليه و تعتبره كمحامٍ لها.
التوازن في العلاقات الدولية والاقليمة كانت من سمات السياسة التي يتبعها الرئيس مام جلال ومن خلال هذه السياسة الحكيمة اصبحت كل دول الجوار و الإقليمية و العالمية دولا صديقة للعراق وفق أسس المصالح المشتركة اصبح العراق نقطة انطلاق السلام و التعايش الاقليمي و العالمي رغم كل التحديات الارهابية من بقايا النظام العفلقي و الارهاب الدولي.
ربما يسأل سائل صحيح ان الرئيس مام جلال لم يدخر وسعاً من اجل رفعة العراق و بناء الدولة الجديدة على الأسس الديمقراطية و صيانة حقوق الانسان.لكن كان هناك مخاوف بان يطالب البعض باستقلال إقليم كردستان و الانفصال من العراق و كيف تعامل سيادته مع هذه المخاوف ؟!. و كان موقف مام جلال واضحاً و هو ان شعب كردستان العراق قد اختار ان يعيش في ظل العراق الديمقراطي الاتحادي و صوت للدستور الجديد الذي ينص على حقوق و واجبات كل المحافظات و الأقاليم بضمنهم اقليم كردستان.و ذهب سيادته الى ابعد من ذلك حيث أن اقليم كردستان يتمتع بصلاحيات كبيرة على مختلف الصُعد و يشهد اقليم كردستان التقدم المستمر،في مجالات مختلفة، مقارنة مع بعض المناطق الاخرى من البلاد،و بقدر عدد السفارات في بغداد العاصمة توجد القنصليات و البعثات الدبلوماسية في اربيل،لذلك كان يؤكد دوماً لا داعي لمثل هذه المخاوف.
و في الختام اود ان أشير الى ان الرئيس مام جلال كان يحب بساطة العيش و نحن الذين كنا قريبين من سيادته لمسنا هذه البساطة و كذلك من التقى مرة واحدة بهذا الزعيم الكبير لمس هذه الحقيقة. نعم مام جلال لم يترك العقارات والمال في البنوك، لكنه ترك ثروة طائلة من المبادئ السياسية و الفكر النير و القيم النبيلة والانسانية، و ترك ورائه نهجاً و مدرسةً نستفيد منها نحن العراقيين في شتى المجالات.

 

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket